bood@ مدير المنتدى
المساهمات : 176 تاريخ التسجيل : 14/02/2008
| موضوع: توكل على الله حق توكله الأحد فبراير 24, 2008 3:41 am | |
| توكل على الله حق توكله
من ترك الاختيار والتدبير في رجاء زيادة أو خوف أو نقصان أو طلب صحة أو فرار من سقم، وعلم أن الله على كل كل شيء قدير ، وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير، وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وأنه أعلم بمصلحته من العبد، وأقدر على على جلبها وتحصيلها منه، وأنصح للعبد منه لنفسه، وأرحم به منه لنفسه، وأبر به منه بنفسه. وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يدي قضائه وقدره ولا متأخر، فألقى نفسه بين يديه، وسلم الأمر كله اليه، وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يدي ملك عزيز قوي قاهر له لبتصرف في عبده بكل ما يشاء، وليس للعبد التصرف بوجه من الوجوه، فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات، وحمّل كله وحوائجه ومصالحه من لا يبالي بحملها ولا يثقله ولا يكترث بها، فتولاها دونه وأراه لطفه وبره ولطفه واحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ولا اهتمام منه، لأنه قد صرف اهتمامه كله اليه وجعله وحده همه، فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه، وفرغ قلبه منها، فما أطيب عيشه وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه. وان أبى الا تدبيره لنفسه، واختياره لها، واهتمامه بحظه، دون حق ربه، خلاه وما اختاره، وولاه ما تولى، فحضره الهم والغم والحزن والنكد والخوف والتعب وكسف البال وسوء الحال، فلا قلب يصفو، ولا عمل يزكو، ولا أمل يحصل، ولا راحة يفوز بها، ولا لذة يهنأ بها، بل قد حيل حيل بينه وبين مسرته وفرحه وقرة عينه، فهو يكدح في الدنيا كدح الوحش، ولا يظفر منها بأمل، ولا يتزود منها لمعاد. والله سبحانه قد أمر العبد بأمر، وضمن له ضمانا، فان قام بأمره بالنصح والصدق والاخلاص والاجتهاد، قام الله سبحانه بما ضمنه له من الرزق والكفاية والنصر وقضاء الحوائج، فانه سبحانه ضمن الرزق لمن عبده، والنصر لمن توكل عليه واستنصر به، والكفاية لمن كان هو همه ومراده، والمغفرة لمن استغفره، وقضاء الحوائج لمن صدقه في طلبها، ووثق به، وقوي رجاؤه وطمعه في فضله وجوده. فالفطن الكيّس انما يهتم بأمره واقامته وتوفيته لا بضمانه، فان الوفي الصادق، { ومن أوفى بعهده من الله} التوبة ١١١ . فمن علامات السعادة صرف اهتمامه الى أمر الله دون ضمانه. ومن علا مات الحرمان فراغ قلبه من الاهتمام بأمره وحبه وخشيته والاهتمام بضمانه، والله المستعان. قال بشر بن الحارث : أهل الآخرة ثلاثة: عابد وزاهد وصديق، فالعابد يعبد الله مع العلائق، والزاهد يعبده على ترك العلائق، والصديق يعبده على الرضا والموافقة، ان أراه أخذ الدنيا أخذها، وان أراه تركها تركها. اذا كان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في جانب فاحذر أن تكون في الجانب الآخر، فان كان ذلك يفضي الى المشاقة والمحادة، وهذا أصلها ومنه اشتقاقها، فان المشقة أن يكون في شق ومن يخالفه في شق، والمحادة أن تكون في حد ويكون هو في حد. ولا تستسهل هذا فان مبادئه تجر الى غايته، وقليله يدعو الى كثيره. وكن في الجانب الذي فيه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وان كان الناس كلهم في الجانب الآخر، فان لذلك عواقب هي أحمد العواقب وأفضلها، وليس للعبد شيء أنفع من ذلك في دنياه قبل آخرته، وأكثر الخلق انما يكونون في الجانب الآخر، ولا سيما اذا قويت الرغبة والرهبة، فهناك لا تكاد تجد أحدا في الجانب الذي فيه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل يعدّه الناس ناقص العقل سيىء الاختيار لنفسه، وربما نسبوه الى الجنون، وذلك من مواريث أعداء الرسل. فانهم نسبوهم الى الجنون لما كانوا في شق وجانب والناس في شق وجانب آخر. ولكن من و ّ طن نفسه على ذلك فانه يحتاج الى علم راسخ بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يكون يقينا له لا ريب عنده فيه، والى صبر تام على معاداة من عاداه ولومة من لامه، ولا يتم ذلك الا برغبة قوية في الله والدار الآخرة، بحيث تكون الآخرة أحب اليه من الدنيا وآثر عنده منها، ويكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب اليه مما سواهما، وليس شيء أصعب على الانسان من ذلك في مبادىء الأمر، فان نفسه وهواه وطبعه وشيطانه واخوانه ومعاشريه من ذلك الجانب يدعونه الى العاجل، فاذا خالفهم تصدوا لحربه، فاذا صبر وثبت جاءه العون من الله وصار ذلك الصعب سهلا، وذلك الألم لذة، فلا بد أن يزيقه لذة تحيزه الى الله ورسوله، ويريه كرامة ذلك، فيشتد به سروره وغبطته، ويبتهج به قلبه، ويظفر بقوته وفرحه وسروره، ويبقى من كان محاربا له -على ذلك- بين هائب له ومسالم له ومساعد وتارك، ويقوى جنده، ويضعف جند العدو. ولا تستصعب مخالفة الناس والتحيز الى الله والرسول ولو كنت وحدك، فان الله معك وأنت بعينه وكلاءته وحفظه لك، وانما امتحن يقينك وصبرك. وأعظم الأعوان لك على هذا بعد عون الله التجرد من الطمع والفزع، فمتى تجردت منهما هان عليك التحيز الى الله ورسوله، وكنت دائما في الجانب الذي فيه الله ورسوله، ومتى قام بك الطمع والفزع فلا تطمع في الأمر ولا تحدث نفسك به. فان قلت : فبأي شيء أستعين على التجرد من الطمع ومن الفزع؟ قلت: بالتوحيد والتوكل والثقة بالله، وعلمك بأنه لا يأتي بالحسنات الا هو، ولا يذهب بالسيئات الا هو، وأن الأمر كله لله ليس لأحد مع الله شيء.
من كتاب الفوائد ابن القيم
| |
|